فصل: (سورة الصافات: الآيات 48- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها الصافات:

.[سورة الصافات: الآيات 48- 49]:

{وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)}.
قوله تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [48، 49] وهذه استعارة. والمراد بالقاصرات الطّرف هاهنا: اللواتى جعلن نظرهن مقصورا على أزواجهنّ. أي حبسن النظر عليهم، فلا يتعدينهم إلى غيرهم. وجىء بذكر الطّرف على طريق المجاز. وإلا فحقيقة المعنى أنهن حبسن الأنفس على الأزواج عفّة ودينا، وخلقا وصونا.
وإنما وقعت الكناية عن هذا المعنى بقصر الطّرف، لأن طماح الأعين في الأكثر يكون سببا لتتبّع النفوس وتطرّب القلوب، وعلى هذا قول الشاعر:
وإنّك إن أرسلت طرفك رائدا ** لقلبك يوما أتعبتك المناظر

والطرف هاهنا واحد في تأويل الجميع: ونظيره قوله سبحانه: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ} أي على أسماعهم، أو مواضع استماعهم. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الصافات:
{والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا}.
هذا وصف لموكب الوحى وهو نازل على قلب خاتم الرسل يقوده جبريل الأمين وتحفه الملائكة الكرام.. وهو قسم لتوكيد الحقيقة الكبرى في هذا الوحى: وحدانية الله سبحانه. ومع أن جبريل هو المسئول عن الوحى، فإن ملائكة كثيرين تنزل معه تشريفا للرسالة وتنويها بخطرها {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون}. وهى إلى جانب ذلك تطرد الشياطين المتطفلة على أخبار الوحى ليبتعدوا عن مساره! ويبدأ الذكر من عند الرحمن تبارك اسمه كما جاء في الحديث «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها، خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان- أي يسمع لخفق أجنحتها صوت كصلصلة الحديد على الحجر!» {حتى إذا فزغ عن قلوبهم} ذهبت الرهبة {قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}. ووصف الإله الواحد بأنه {رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق}. أي مطالع الشمس، وهى تختلف زمانا ومكانا في فصول السنة الأربعة.
وقد تضمن صدر السورة حقيقتين: الأولى التوحيد والأخرى البعث، وكلتاهما مرفوضة للمشركين {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون} وتكذيب الحقيقة لا يجدى، فالحق فارض نفسه حتما. وفى تقرير الجزاء الأخير يرسم القرآن صورتين من مشاهد القيامة، ويعجل بعرضهما في الدنيا لعل المنكرين يعتبرون.
{وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين}.
إن السادة والأتباع يتخاصمون في الآخرة، ويرمى كل منهم بالتبعة على الآخر. يقول الضعاف خدعتمونا بقوتكم وسلطتكم، ويقول السادة لهم بل كنتم أغبياء لا تبصرون الحق! فتحملوا مسئوليتكم معنا.
{فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين}.
تلك هي الصورة الأولى. أما الثانية، فترى ملامحها في قوله تعالى: {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين}.
والمنظر مألوف في دنيا الناس، يحاول كل صديق أن يجر صاحبه إلى مذهبه. ولولا أن المؤمن كان قويا لانزلق وضاع، ولذلك يقول وهو يرى صاحبه في وسط النار.
{ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليعمل العاملون}.
والتعجيل بمشهد من عالم الغيب يتدبره الناس في عالم الشهادة مألوف في القرآن الكريم، وقد سبق مثل ذلك في سورة الأعراف على نطاق واسع. وإنك لترى هنا الفرحة بالنجاة تغمر أعطاف الرجل المؤمن، بعدما أنقذه إيمانه من عاقبة السوء التي التهمت صاحبه. إنه في الجنة يمرح في نعيمها مع إخوانه، لكنه يتذكر رجلا كان ينكر الله واليوم الآخر ويريد أن يتعرف حاله، فلما رآه تضاعف شعوره بما هو فيه من نجاة ونعماء.
ثم يقول الحق: {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رءوس الشياطين} وشجرة الزقوم جاء ذكرها في عدة مواضع، في الواقعة عند قوله تعالى: {ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم} وفى الدخان في قوله تعالى: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم}. وفى الإسراء: {والشجرة الملعونة في القرآن}.
قيل إنها من أشجار الصحارى، تظهر بالأماكن المجدبة كريهة الرائحة صغيرة الورق مسمومة ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورم ومات منه غالبا.. وهذا من باب التمثيل.
فإن أشجار جهنم لن تكون ذات نضرة وظل وجنى طيب، بل ستكون خبيثة المطعم والمنظر على نحو مايتسامع الناس به من شجر البوادى. والواقع أن الشجر المعجب عندما ييبس مايصلح إلا حطبا. ومن عجائب قدرة الله أن تجعل الأغصان والأوراق والجذوع مخازن للوقود، وأن تجعل من الشجر الأخضر نارا.. وقد جعل الله شجر الزقوم طعام أهل النار! {فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم}.
لم هذا العذاب الأليم؟ {إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون} إن التقليد الأعمى والسير وراء ما خلف الآباء من أعراف ومبادئ وراء هذا العذاب الموجع. والحقيقة أن أغلب الناس يلتزمون مواريثهم على ما بها، ويهاجمون ما يخالفها من دعوات ونظم ولا يفكرون في موازنة ولا تمحيص، وقد يقتلون معارضيهم تعصبا وظلما، أو ينتصبون لمشاكستهم والقضاء عليهم.
{ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين}.
فى وسط سورة الصافات ذكر لست رسالات ساقها الوحى إلى النبى عليه الصلاة والسلام تسلية له وتثبيتا لفؤاده. أول المرسلين نوح وهو أول أولى العزم، وقد تحمل في ذات الله بلاء طويلا؟ وإبراهيم وهو الذي سمانا المسلمين من قبل، ووضع أصول الفطرة؟ وموسى وهو صاحب الكتاب الذي قدم الدين عقيدة وشريعة ودينا ودولة، وفيه من رسالة محمد شبه. وهؤلاء الثلاثة أصول، تفرع منهم ثلاثة آخرون: لوط على ملة إبراهيم، وهو ابن أخيه. وإلياس ويونس وهما من أنبياء بنى إسرائيل، وكتابهما التوراة التي نزلت على موسى.. ومن اللطيف أن قصة نوح هنا تبدأ من نهايتها! فقد ظل يدعو قومه تسعة قرون ونصفا فلا يجد إلا الصدود والضيق، فلما شعر بالهزيمة صاح: رب إنى مغلوب فانتصر، فجاءته النجدة! والقصة في سورة الصافات تبدأ من هذا الدعاء {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين}.
والمقصود أن الله خلد لنوح الذكر الحسن، وقال له بعدما أهلك أعداءه {اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك}. وقد شرحنا أن نوحا كان رسولا لقومه، وأن الطوفان الذي أهلكهم محك، فلا صلة لمصر وفارس به، بله أوروبا وإفريقيا وغيرهما! أما إبراهيم فقد نهض بعقيدة التوحيد التي جاهد من أجلها نوح، وساق الأدلة لقومه على خطئهم في عبادة الأصنام، وبدأ الحديث عن كفاحه بقوله تعالى: {فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون}.
والآية تحكى أنه فكر في عمل يبطل به هذه الوثنية، فتظاهر بالمرض فتركوه وحده، فذهب إلى الأصنام في مجمعها وجعلها حطاما {فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون}. وجعل الفأس في عنق الصنم الكبير لينسب إليه أنه هو الذي هشم إخوانه من الآلهة!! وظاهر أن إبراهيم مثل هذه الخطة ليفضح بها غباء قومه وسؤ رأيهم في عبادة أخشاب أو أحجار لا تملك لنفسها شيئا!! وعندما يسخر إبراهيم من قومه فيقول لهم: إن كبير الآلهة ارتكب هذه الفعلة، فهو لا يكذب بداهة، وإنما يبكت ويؤدب. وما روى من أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات في هذه القصة وغيرها، فهو عجز في الرأى وحمق في الفهم. وقد بدأ أهل الكتاب بهذه الأوهام، ثم تسللت إلى مروياتنا، وهى مستبعدة عند المحققين. فإبراهيم أشرف من أن يكذب، والقصة المروية عنه لا تتحمل هذا اللغو!! ولعل أروع ما في سيرة إبراهيم موقفه من ابنه وموقف ابنه منه. لقد رزقنى به على كبر وبعد دعاء. فلما شب وأضحى غلاما وقرت به عينه، أوحى الله إليه أن يذبحه قربانا إليه!! {فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}. ما حال هذا الشيخ وهو يكلف بذبح ابنه أحب أهل الأرض إليه بعد ما فرح به وأمل الخير في صحبته؟ إنه لو فجعه أحد فيه لقتله الغم، فكيف وهو الذي يكلف بالإجهاز عليه؟ ولكن إبراهيم عبد الله ورسوله وخليله، وهو لا يعرف الحياة إلا في رضاه، وما يستطيع أن يعصى له أمرا مهما كان شاقا، فحدث ابنه بما كان، وكان غلاما صالحا لا يقل عن أبيه يقينا وصدقا.
{قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}!! سلم الأب في ابنه وسلم الابن في نفسه. وعندما بدأ التنفيذ ووضع السكين على العنق، جاءت النجدة ونزل الفداء {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين}! والقصة شاهد على أن الاختبار الإلهى للبشر جاد وطويل، وأن الإيمان ليس لغوا على الألسنة ولكنه صبر وتسليم.. ونتجاوز القصص الأخرى في السورة لنقف عند قوله تعالى: {فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون} إن هذا ثانى أمر بالاستفتاء.
أما الأمر الأول: {فاستفتهم أهم أشد خلقا أمن خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب} وهذا الاستفتاء بعد حديث استعرض آفاق الكون ومشارقه ومغاربه، مبينا سعة الملكوت وعظمة الخالق. وظاهر أن فكرة الألوهية عند المشركين كانت هزيلة ضيقة، فما قدروا الله حق قدره، بل جعلوه في ضعف أبى البنات!! وكان أحدهم يعاف أن تولد له بنت، فيئدها، ومع ذلك فهو يجعل الملائكة إناثا وينسبهن إلى الله..
{أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون}. إن الله ليس له أولاد لا من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة، كما أنه ليس هناك إله للخير وإله للشر {إنما هو إله واحد}. والزعم بأن إله الشر أخ لإله الخير كذب، ولا تشيع هذه الخرافات إلا بين الضالين. وقد كان العرب يزعمون أنهم لو أوتوا كتبا مثل ما أوتى اليهود والنصارى، لكانوا خيرا منهم.
{وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين}.
فلما آتاهم الله الكتاب كفروا به.. وقد آمن السابقون بعد لأى، وسادوا العالمين بالكتاب المبين.
ثم انحرفت خلوف عن هداياته فوقع لهم ما وقع {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون}.
ولكن النصر الموعود يجىء بعد زمان يتم فيه التمحيص وتستوى فيه الزروع، ولذلك قال: {فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين}. وأكد هذا الزمن مرة أخرى، فقال: {وتول عنهم حتى حين}. إنه لابد من الصبر. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الصافات:
أقول هذه السورة بعد يس كالأعراف بعد الأنعام، وكالشعراء بعد الفرقان، في تفصيل أحوال القرون المشار إلى إهلاكهم، كما أن يتنك السورتين تفصيل لمثل ذلك كما تقدم. اهـ.